وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: امام انتشار الإعلام الكاذب والإعلام المُضلِّل، اليوم انصهرت المذاهب الانسانية ولم يبقى لنا سوى مذهبين اما أن تكون مقاوماً شريفاً واما أن تكون صهيونيا لعينا. لذلك يسعى الكيان الصهيوني لحيازة إعلام ذليل خاضع جبان يغسل فيه الادمغه ويعمل على التفرقة والشرخ، انطلاقا من سياسة "فرق تسد"، وللاسف نالت هذه السياسة من بعض القنوات العربية والعالمية المتصهينة، ولكنها لم تنل من عزيمة وارادة الشرفاء الاحرار الذين ينظرون للكيان اللقيط على انه غدة سرطانية يجب استئصالها، ولصقل اكثر واكثر هذه الارادة والعزيمة نسأل عن دور المثقف الذي لا بد من ان يظهر في هذا الوقت ليقدم الحلول وليس النظريات، فضلا عن أهمية المقاومة الاعلامية التي تؤدي دورها بموضوعية وثقة.
حول هذه العناوين، أجرت مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، حوارا صحفيا مع الكاتبة والاعلامية، ليلى عماشا، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
في اللغة لا يمكن الفصل بين الشكل والمضمون، حيث ان التعابير التي نستخدمها تكشف ابعادا ايديولوجية ومضامين فكري. وبعض وسائل الاعلام العربية المتصهينة تستخدم تعابير وضعها المستعمر الصهيوني والامبريالية العالمية ضد المجاهدين والمناضلين ضد الاحتلال، فهل يفعل هؤلاء ذلك جهلا؟ ام انهم يتعمٌدون وصف قادة المقاومة ورموز مواجهة الاحتلال بالارهاب ضاربين بعرض الحائط مشاعر ملايين المسلمين والعرب التي تعتبر هؤلاء الشهداء عناوين لكرامتها وانتصاراتها ؟
أستبعد احتمال الجهل أو عدم التعمّد، بل أؤكد أنّه غير وارد. هذا الإعلام متورّط تمامًا في معاداة المقاومة وأهلها ورموزها وكلّ ما يمتّ إليها بصلة، ويعرف القيّمون عليه تمامًا ما يفعلون.
كلّ مفرداته ولغته الإخبارية، شكلًا ومضمونًا، تفضح تماهيه التام مع العدو وأهدافه، وتكشف كونه أداة طيّعة مستخدمة ضدّنا، وذلك لم يبدأ فقط في ٧ أكتوبر المجيد، بل سبقه بسنين. منذ سنوات، يخوض هذا الإعلام ضدّنا حربًا إعلامية شرسة، يعتمد فيها على أقذر الأساليب من تحريض وتضليل وكذب وافتراء واختلاق واجتزاء وجميعها لا تمتّ إلى أدنى معايير الأخلاق المهنية بأي صلة. تارة يستضيف الصهاينة تحت مسمّى "الرأي الآخر" وطورًا يشكّك بمحور المقاومة أو حتى يسعى إلى إحداث الفتن بين مكوّناته.
شهداؤنا في مفردات وخطاب هذا الإعلام "قتلى"، وقادتنا "ارهابيون"، وجيش الاحتلال "جيش دفاع"، وعملية الإبادة المرتكبة ضدّ أهلنا في غزّة مجرّد "عمليات عسكرية"، وعلى نفس المنوال، يختلق هذا النهج الاعلامي الارهابي ذرائع للمجازر المرتكبة بحقّ المدنيين، تلميحًا أو تصريحًا.. كأن يدعي أنّ المجاهدين يتواجدون في الأماكن التي لجأ إليها المدنيون، وأكثر من ذلك، يسعى بكل أدبياته حتى تلك المزيّنة بالبكائيات إلى تظهير المقاومة في موقع ضعف، فيعتّم على انجازاتها الساطعة لصالح إظهار العدو وكأنّه المتفوّق الذي لا يُهزم. في الواقع، اعتدنا سماع هذه المفردات بالعبرية وبالانكليزية وبكل لغات العالم. ولا بأس أن نسمعها بالعربية، فلا فرق بالتصهين بين عربي وأميركي وأوروبي ومحلّي وأجنبي، جميعهم اختاروا أن يكونوا في عداد معسكر الشرّ المطلق ظنّا منهم أنّه سيتمكن من هزيمتنا. وخابوا ألف مرة قبل الآن، وسيخيبون.
كيف تصفين لنا هذه الحالة الشاذة في تاريخ الشعوب قاطبة، حيث باتت الخيانة والتعامل مع الاعداء وجهة نظر عند فئات واسعة في المجتمعات العربية؟ وباتت مساعدة العدو على الشريك في الوطن تعبيرا عن الخلاف وليست خيانة يجرمها القانون ؟
للأسف، بسبب الحرب الإعلامية وتأثيرها على وعي المجتمعات، تمكّنت آلة العدو من اختراق بعض الفئات في المجتمعات العربية، ولا سيّما تلك التي ارتكبت أنظمتها جريمة التطبيع مع العدو. وسواء عبر بثّ المفاهيم الثقافية والسياسية وحتى الاقتصادية التي تشتّت وعي المواطن العربي أو عبر الترهيب والتخويف الاعلامي، بتنا نرى اليوم ونسمع المواقف الخيانية والسقطات الأخلاقية والانسانية والوطنية تحت عنوان "وجهات نظر". وهذا المسار الاعلامي ليس صدفة ولا هو وليد لحظة، إنّما هو نتاج مخطّط إرهابي قديم يهدف إلى تهديم الوعي العربي المناهض للصهيونية وإعادة تشكيل وعي آخر، مهزوم ومستسلم ومطبّع مع العدو، خاضع له في كلّ مستويات الحياة.
للأسف مجدّدا، واتخذ لبنان مثالًا، نسمع اليوم ونرى ونقرأ تحت مسمّى حرية التعبير إعلامًا متصهينًا شريكًا بسفك دمنا. نراهم وهم يدعون الصهاينة إلى احتلال البلد. نسمعهم وهم يحرضون على مدار الساعة ضد المقاومة وأهلها. نقرأ الكتابات التي لولا معرفتنا بأسماء كتّابها لظنّنا أنها منشورات عبرية جرت ترجمتها إلى العربية. في لبنان، نشاهد سياسيين واعلاميين وناشطين إلكترونيين يشمتون باغتيال قادتنا ويسعون إلى تحقيق أهداف العدو على كافة المستويات، دون أن يرفّ لهم جفن في حضرة دمنا المبذول.. نسمعهم وهم يتماهون مع الخطاب المعادي بدون ادنى خجل، ونقرأ لهم وهم يغرقون في وهم إمكان هزيمة المقاومة فيتسابقون إلى ارضاء السفيرة الأميركية في بيروت.. نراهم وهم يتذللون أمام التدخلات الأميركية والأوروبية ويدافعون عنها بل ويحاولون الاستزادة منها، حتى تلك التدخلات التي تشكَل إهانات صريحة لسيادة لبنان، ومن جهة أخرى نراهم يستشيطون غضبًا وحقدًا إذا مرّ على مسامعهم ذكر الجمهورية الإسلامية في إيران، ويحسبون الذكر انتهاكًا لسيادة لبنان.
عادة، في تاريخ الشعوب وفي تاريخ الحروب، تُعتبر الخيانة جرمًا عظيمًا تصل عقوبة مرتكبه إلى الإعدام، لكنّنا اليوم نواجه حالات الخيانة الوقحة والتي لا يحاول مرتكبوها إخفاءها أو تمويهها، نرى هذه الحالات تتحدث جهارًا وبمباهاة عمّا تفعل، والأغرب أنّها لم تتعلّم من التجارب السابقة التي أكّدت أن نهاية الخيانة وخيمة: لم يتعلّموا من مشهد طابور الذلّ عند حدود لبنان حين اندحر الاحتلال وترك عملائه يرجونه عند بوابات الحدود السماح لهم بالهرب إلى فلسطين المحتلة. لم يتعلّموا حتى من كيفية تعامل الأميركيين مع عملائهم في أفغانستان يوم تركوهم لمواجهة مصيرهم حتى مات بعضهم معلقًا بعجلات الطائرات الأميركية المغادرة.
كيف يمكننا ان نعمل على اعادة تشكيل الوعي الجمعي العربي لمواجهة الارهاب الاعلامي بالدرجة الاولى، وبالتالي تعزيز المقاومة النفسية والفكرية؟
نجح الغربي وبشكل خاص الأميركي في اختراق بعض المجتمعات، لكنّه واجه فشل رهانه عليها في صناعة التغيير الذي يريده. وزاد في فشله سطوع حركات المقاومة وتصاعدها وتمكّنها من مقارعة الغرب وهزيمة قاعدته العسكرية المسماة ب"اسرائيل".
بالمقابل، من أهم الأهداف التي حقّقتها حركات المقاومة في بلادنا ولا سيّما حزب الله، هو تقديم نموذج عن إمكانية هزيمة "اسرائيل"، فشكّلت حاضنة لكلّ أحرار البلاد العربية الرافضين للانصياع للأميركي. واجهت مجتمعاتنا الكثير من النكبات والهزائم والخيبات والتي ساهمت في التأسيس للوعي الانهزامي، حتى دخلنا زمن الانتصارات، وصار نموذج هزيمة العدو واضحًا. إذا اعتمدنا استراتيجية النموذج المنتصر في مواجهة المعارك الاعلامية الشرسة، سنتمكن يقينًا من هدم الوعي الانهزامي الذي ساد في بعض الفئات من المجتمعات العربية ويقينًا سنتمكن من إزالة الوعي الذي يستسهل الخيانة ويشرّعها. كيف نواجه الالة الاعلامية المعادية اذن: بالانتقال من زاوية الدفاع إلى زاوية الهجوم، بتعرية أهداف وأساليب هذا الاعلام الملوّث بالخيانة، بوضعه عند كل محطة في قفص اتهام وشبهة، بفضح ارتباطات شخصياته، بتقريمه وتصغيره وتفكيك سردياته، بكشف أكاذيبه وأضاليله، وكلّ ذلك يصبح أسهل حين نؤمن أنّنا فعلًا وواقعًا نمثّل نموذج المنتصر ونحمل راية الحق، وأننا مسؤولون أمام الله والتاريخ عمّا فعلنا في إطار الحرب الاعلامية، حين ننجح في كسر حلقات الاعلام المعادي والذي ساهم في تشكيل وعي جمعي يتقبّل الصهاينة ويخضع للأميركي، نكون تلقائيًا قد أعدنا الوعي العربي العام إلى الصواب وإلى معسكر الحق.
في مواجهة الارهاب الاعلامي، واجبنا اليومي، قل تكليفنا، هو التبيين، بكل السبل الممكنة، وبذلك نكون قد قدمنا إلى مجتمعاتنا كافة المادّة التي تعزّز صمودها وتغذي أفكارها حول الحقّ وحول البذل وحول المقاومة.
في الازمات والحروب دائما نسأل عن المثقف اين هو وما هو دوره والان نلاحظ ان اغلب المثقفين يتحدثون تبعا للمال الذي يُدفع ضاربين بعرض الحائط مفهوم المنطق والموضوعية وتقديم الحقائق، الى اي حد الان نحن نحتاج للمثقف بمفهومه الحقيقي وهل فعلا سيكون له التأثير على الوعي ؟
طالت أزمة المفاهيم المشوّهة مفهوم "المثقّف" وبالطبع طالت أدواره المفترضة، من الذي يحمل لقب أو وصف مثقّف في مجتمعاتنا اليوم: حامل الشهادات المتماهي مع الثقافات الغربية؟ للأسف، ساد اعتقاد أنّه يُشترط بالمثقف أن يحمل هذا الوصف وإلّا هو مشكوك بثقافته.
في الحقيقة، المثقف هو المدرك لبنيان مجتمعه وبيئته وتشكيلاتها العقائدية والفكرية والسياسية والاجتماعية. وبالإدراك يتحمّل مسؤولية المواجهة، فمن أدرك الحق وجب عليه الدفاع عنه، ومن فهم مجتمعه صار لزامًا عليه لعب دور ايجابي في تطويره وحمايته. للأسف، حصل لغط كبير حول المثقف ودوره، وبما أنّ الكثيرين حازوا على وصفهم بالمثقفين هم في الواقع معادون لبيئاتهم وحاملو أدوار معادية لها، وقعنا في شبهة تقول أنّ المثقفين سقطوا، إلّا أنّ المثقفين الحقيقيين هم اليوم صانعو وحماة بنياننا المجتمعي، دعينا من مدّعي الثقافة الذين غرّهم مال أو منصب فحاربونا وحاربوا ثقافتنا وحاولوا اسقاط الثقافات الغربية على مجتماعاتنا كي تمسي مجتمعات هجينة بلا هوية ولا جذور. المثقفون الحقيقيون اليوم يخوضون معارك ضد المفاهيم الهجينة والأفكار الشاذة، ويواجهون كل الدعاية الغربية التي حاولت وتحاول عزلنا وتغريبنا. كيف يمكن استثمار هذه الطاقات في التأثير على الوعي؟ هذا ما نسمّيه اليوم "دور المثقّف"، وهو دور يتكامل مع كلّ الادوار الجهادية في مختلف المجالات، ويبدأ هذا الدور عند تفكيك ما شوهّه "مدّعو الثقافة" في وعي الناس، وفي بثّ ثقافة الانتصار لدحر الافكار الانهزامية، وثقافة الحياة بمواجهة الانتهاكات التي نتعرض لها عسكريا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا.
/انتهى/
تعليقك